
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد فإننا سطرنا بعضا من السنن المهجورة بحمد الله و منته و فضله، لكن قبل المتابعة وجب علينا النظر قليلا في حالنا و مدى تعلُّقنا و حبنا لرسولنا صلى الله عليه و سلم. فنرى هل فعلا نحبه قولا و فعلا أم أن عين الحال يعكس خلاف ما نقول، قد نُجيبُ مباشرة بل نحبه قلبا و قالبا، لكن ! هذا حال كل مسلم على البسيطة فأين تتجلى هذه المحبة ؟.
يقول ربنا جل و علا : قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣١﴾ سورة آل عمران ، قال بن كثير رحمه الله في تفسير الآية : هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله ، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر ، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ولهذا قال : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) أي : يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه ، وهو محبته إياكم ، وهو أعظم من الأول ، كما قال بعض الحكماء العلماء : ليس الشأن أن تحِب ، إنما الشأن أن تحَب ، وقال الحسن البصري وغيره من السلف : زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية ، فقال : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) .انتهى
وقال سهل بن عبد الله : علامة حب الله حب القرآن ، وعلامة حب القرآن حب النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلامة حب النبي - صلى الله عليه وسلم - حب السنة .
فكيف نعكس هذه المحبة في حركاتنا و سكناتنا ؟ علينا بداية معرفة معنى قول ربنا عز و جل ثم نطبقه فِعْلِيّا في حياتنا و إنه تعالى قال : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ( ٨٠) سورة النساء و قال أيضا : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (٧ ) سورة الحشر
فكان الصحابة رضوان الله عليهم يطيعون الرسول و يتنافسون على خدمته حتى نراهم مِن فرط حبهم له يتنافسون على حمايته و إيثاره على أنفسهم فهذا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول : إنا يوم الخندق نحفر ، فعرضت كدية شديدة ، فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : هذه كدية عرضت في الخندق ، فقال : ( أنا نازل ) . ثم قام وبطنه معصوب بحجر ، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب الكدية ، فعاد كثيبا أهيل ، أو أهيم ، فقلت : يا رسول الله ، ائذن لي إلى البيت ، فقلت لامرأتي : رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما كان في ذلك صبر ، فعندك شيء ؟ قالت : عندي شعير وعناق ، فذبحت العناق ، وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر ، والبرمة بين الأثافي قد كادت تنضج ، فقلت : طعم لي ، فقم أنت يا رسول ورجل أو رجلان ، قال : ( كم هو ) . فذكرت له ، قال : ( كثير طيب ، قال : قل لها : لا تنزع البرمة ، ولا الخبز من التنور حتى آتي ، فقال : قوموا ) . فقام المهاجرون والأنصار ، فلما دخل على امرأته قال : ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم ، قالت : هل سألك ؟ قلت : نعم ، فقال : ( ادخلوا ولا تضاغطوا ) . فجعل يكسر الخبز ، ويجعل عليه اللحم ، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ، ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع ، فلم يزل يكسر الخبز ، ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية ، قال : ( كلي هذا وأهدي ، فإن الناس أصابتهم مجاعة ) .
صحيح البخاري - 4101
ثم في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال أبو طلحة لأم سليم لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا ، أعرف فيه الجوع ، فهل عندك من شيء ؟ فقالت : نعم ، فأخرجت أقراصا من شعير ، ثم أخذت خمارا لها ، فلفت الخبز ببعضه ، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهبت فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس ، فقمت عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أأرسلك أبو طلحة ) . فقلت : نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه : ( قوموا ) . فانطلقوا وانطلقت بين أيديهم ، حتى جئت أبا طلحة فأخبرته ، فقال أبو طلحة : يا أم سليم ، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ، وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم ، فقالت : الله ورسوله أعلم ، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة حتى دخلا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هلمي يا أم سليم ما عندك ) . فأتت بذلك الخبز ، قال : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الخبز ففت ، وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته ، ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول ، ثم قال : ( ائذن لعشرة ) . فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ، ثم خرجوا ، ثم قال : ( ائذن لعشرة ) . فأذن لهم ، فأكل القوم كلهم وشبعوا ، والقوم سبعون أو ثمانون رجلا .
صحيح البخاري - 6688
سبحان الله حب للنبي و إيثاره على النفس و هُم يكابدون مرارة الجوع لكن الله يكافئهم في دنياهم قبل آخرتهم و من عظيم مَشاهد حب النبي عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم و فدائه بالروح حديث قيس بن أبي حازم قال رأيت يد طلحة شلاء ، وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد . صحيح البخاري - 4063
فيقول أبو طلحة :بأبي أنت وأمي ، لا تشرف ، يصبك سهم من سهام القوم ، نحري دون نحرك
صحيح البخاري - 4064
و كذا في سيرة أم عمارة قالت : رأيتني ، وانكشف الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فما بقي إلا في نُفَيْرٍ ما يتمون عشرة ; وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذبُّ عنه ، والناس يمرون به منهزمين ، ورآني ولا تُرْسَ معي ، فرأى رجلا مُوَلِّيًا ومعه ترس ، فقال : ألقِ تُرسك إلى من يقاتل . فألقاه ، فأخذتُه . فجعلت أترس به عن رسول الله . وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل ; لو كانوا رَجَّـالة مثلنا أصبناهم -إن شاء الله .( سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي و ابن سعد في الطبقات )
و نرى سبحان الله طريقة أخرى لإبراز حب الصحابة رضوان الله عليهم للرسول صلى الله عليه و سلم تتجلى في الشِّعر فعن أمنا عائشة رضي اله عنها قالت : استأذن حسان بن ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فكيف بنسبي ) . فقال حسان : لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين . وعن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : ذهبت أسب حسان عند عائشة ، فقالت : لا تسبه ، فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
صحيح البخاري : 6150أجل إخوة الإيمان هذه بِضع قليلة من أنواع إظهار حب نبينا و نحن الآن نقول فداك نفسي فداك أهلي و مالي يا رسول الله ، لكن ! هل نعلم حقا معناها ؟
حينما قام الكافر الملعون برسم مسيء لنبينا الكريم نهض المسلمون من كل حذب و صوب يتظاهرون ينددون و يقاطعون، لكن ! أين هم الآن؟ هل كف المشركون عن إساءتهم ؟ أم أن عين الرضى طالت أعداءنا ؟ و لو أن المسلمين يدركون قول ربنا عز و جل : ( وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ. ) سورة التوبة ﴿١٢٠﴾ لَما توقفوا عن قهر الكفار و لو بمقاطعة سِلعهم التي أعلنوا حينها عن خسارات فادحة اقتصاديا و أين نحن من قول رسولنا صلى الله عليه و سلم : المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشد بعضه بعضا .
هل كنا لإخواننا في فلسطين و باقي دول العالم المتضررين كالبنيان المرصوص؟ و مِن عجيب ما حكى لي أخي أن المغاربة حينما نظموا مظاهرة في الدار البيضاء للضغط على الحكومة لمؤازرة إخوتنا في غزة بأي وسيلة كانت و إذ بهم يفاجَؤون أن أعضاء الحكومة هم في الصف الأول للمظاهرة !!! فعلِم أن ذلك مضيعة للوقت و لله ذر إخواننا هو وليهم و نِعم النصير.
هكذا و للأسف يوجد أيضا ممن يدّعي الإسلام و حب النبي و تجده لا يتوانى عن قول الإثم وتعليمه فأذكر أن أستادا لي - يا حسرة - قال لنا في القِسم : العالَم يتَطَوّر و يتقدم و نحن لا زِلنا نتناقش عن إدخال الرِّجْلِ اليُمنى في الحِذاء .
سبحان الله و هل إدخال اليُمنى يوقف عجلة التَّطوّر ؟ إنما ابتعادُنا عن تَعاليم رسولنا صلى الله عليه و سلم مَن جعلنا نتخلَّف و نتبع أذيال اليهود و النصارى حتى صدق فينا قوله صلى الله عليه و سلم : حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم.
فوجب إخوة الإيمان أن نجدد إخلاصنا و طاعتنا لرسولنا و نُبين للناس قدر المُستطاع أننا نحبه قولا و فِعلا و لَو بتطبيق السّنن و الأذكار اليومية فإنها حتما ترقى بنا و لا نغفل عن تلقينها لأبنائنا فيكون لنا ثوابها إن شاء الله و ثواب مَن عمل بها إلى يوم القيامة.
و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و آله و صحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ورحمة الله
شكرا لك على التعليق يسعدني أن اتلقى توجيهاتكم وملاحظاتكم